المرأة والبيت (هام جدا) 2024.

من تدبّر نصوص الشريعة يرى أنها حثت المرأة على القرار في البيت وعدم الخروج منه إلا لحاجة وضرورة، وأن بقاءها في بيتها عبادة تؤجر عليها إذا احتسبت ذلك.

"ومَن نظر في آيات القرآن الكريم، وجد أن البيوت مضافة إلى النساء في ثلاث آيات من كتاب الله – تعالى -، مع أن البيوت للأزواج أو لأوليائهن، وإنما حصلت هذه الإضافة -والله أعلم- مراعاة لاستمرار لزوم النساء للبيوت، فهي إضافة إسكان ولزوم للمسكن والتصاق به، لا إضافة تمليك.

قال الله – تعالى -: (وقرن في بيوتكن)[الأحزاب: 33]، وقال – سبحانه -: (واذكرن ما يتلى في بيوتكم من آيات الله والحكمة)[الأحزاب: 34]، وقال عز شأنه: (لا تخرجوهن من بيوتهن) [الطلاق: 1]"[1].

قال الإمام أبو بكر الجصاص – رحمه الله -عند قوله – تعالى -: (وقرن في بيوتكن): "فيه الدلالة على أن النساء مأمورات بلزوم البيوت منهيات عن الخروج"[2]. ويقول سيد – رحمه الله -: "فيها إيماءة لطيفة إلى أن يكون البيت هو الأصل في حياتهن، وهو المقر، وما عداه استثناءً طارئاً لا يثقلن فيه ولا يستقررن إنما هي الحاجة تقضى وبقدرها"[3].

وعند التأمل في نصوص الشريعة التي تأمر المرأة بالقرار في البيت وعدم الخروج أو تحث على ذلك نجد أن من الحكم في ذلك -إضافة إلى ما ذكره العلماء من الحفاظ على المرأة وصيانتها وعدم تعرضها للفتنة أو الافتتان بها- أن المسئولية الملقاة على كاهل المرأة كبيرة في بيتها وأن أعمال بيتها تستغرق جل وقتها إذا لم يكن كله فضرورة قرارها في البيت للقيام بأعمالها أمر مهم حيث لا يقوم به غيرها، وهذه المسئولية واجبة عليها إذا قصرت فيها أثمت، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم–: ((كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، الإمام راع ومسئول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسئول عن رعيته، قال وحسبت أن قد قال: والرجل راع في مال أبيه ومسئول عن رعيته، وكلكم راع ومسئول عن رعيته))[4].

"فقرار المرأة في عرين وظيفتها الحياتية -البيت- يكسبها الوقت والشعور بأداء وظيفتها المتعددة الجوانب في البيت: زوجة، وأمَّا، وراعية لبيت زوجها، ووفاء بحقوقه من سكن إليها، وتهيئة مطعم ومشرب وملبس، ومربية جيل"[5].

أختي المسلمة: يمكننا أن نذكر لك جملة من المسؤوليات التي عليك في بيتك:

أولا: مسؤوليات تجاه زوجك: من أوجب الحقوق بعد حق الله -سبحانه وتعالى- حق الزوج على زوجته، ولذا يجب أن تراعي هذه الحقوق وتجعليها نصب عينيك ولا تتهاوني فيها بأي حال من الأحوال، فالزوج هو من يكد ويتعب ويجمع المال من أجل أن يوفر جمع ما تحتاجينه من مأكل ومشرب وكساء ودواء وغيرها من الأشياء لك ولأولادك، فيحتاج منك إلى أن تعطيه حقوقه: فتطيعيه في غير معصية الله – تعالى – لقوله – صلى الله عليه وسلم -: ((لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها))[6] وتستجيبين له إذا دعاك للفراش، يقول الرسول – صلى الله عليه وسلم -: ((إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فلم تأته فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح))[7]، وتصونين عرضه بالمحافظة على شرفك، وتحفظين ماله وترعين ولده، ومن حقوقه القيام بخدمته: كطبخ طعامه وغسيل ملابسه، وترتيب بيته، وقد كانت الصحابيات الجليلات خير من قام بهذا الجانب.

فهذه فاطمة – رضي الله عنها – بنت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كانت تخدم بيتها كنساً وطحناً وعجناً..إلخ.
واشتكت إلى أبيها – صلى الله عليه وسلم – فأمرها وزوجها أن يستعينا بذكر الله – تعالى -في التسبيح، والتحميد، والتكبير على القيام بمهمتهما في الحياة.

أما أسماء فقد عانت معاناة شديدة ولكنها تحملت واجبها تجاه زوجها وبيتها وعملت ما بوسعها في خدمة زوجها، تقول – رضي الله عنها -: "تزوجني الزبير وما له شيء غير فرسه، فكنت أسوسه وأعلفه، وأدق لناضحه[8] النوى، وأستسقي وأعجن، وكنت أنقل النوى من أرض الزبير التي أقطعه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على رأسي وهي على ثلثي فرسخ، فجئت يوما والنوى على رأسي، فلقيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ومعه نفر فدعاني، فقال: (أخٍ. أخٍ[9]، ليحملني خلفه، فاستحييت وذكرت الزبير وغيرته. قالت: فمضى. فلما أتيت، أخبرت الزبير فقال: والله لحملك النوى كان أشدّ عليّ من ركوبك معه! قالت: حتى أرسل إليَّ أبو بكر بعد بخادم، فكفتني سياسة الفرس، فكأنما أعتقني"[10].
كما أنها تسعى في رضا زوجها بكل ما تستطيع لتحظى بالأجر والجزاء الحسن، يقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحصنت فرجها، وأطاعت زوجها، قيل لها: ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت))[11].

وانظري إلى مقدار الأجر المترتب على حسن التبعل وطلب مرضات الزوج إلى ما ذكر في هذا الحديث، عن أسماء بنت يزيد الأنصارية – رضي الله عنها – أنها أتت النبي – صلى الله عليه وسلم – وهو بين أصحابه، فقالت: بأبي أنت وأمي إني وافدة النساء إليك، وأعلم -نفسي لك الفداء-، أما إنه ما من امرأة كائنة في شرق ولا غرب سمعت بمخرجي هذا أو لم تسمع إلا وهي على مثل رأيي، إن الله بعثك بالحق إلى الرجال والنساء، فآمنا بك وبإلهك الذي أرسلك، وإنا معشر النساء محصورات مقصورات قواعد بيوتكم، ومقضى شهواتكم، وحاملات أولادكم، وإنكم معاشر الرجال فضلتم علينا بالجمعة والجماعات، وعيادة المرضى، وشهود الجنائز، والحج بعد الحج، وأفضل من ذلك الجهاد في سبيل الله، وإن الرجل منكم إذا خرج حاجا أو معتمرا ومرابطا حفظنا لكم أموالكم، وغزلنا لكم أثوابا، وربينا لكم أولادكم، فما نشارككم في الأجر يا رسول الله؟ فالتفت النبي – صلى الله عليه وسلم – إلى أصحابه بوجهه كله ثم قال: (هل سمعتم مقالة امرأة قط أحسن من مسألتها في أمر دينها من هذه؟) فقالوا: يا رسول الله ما ظننا أن المرأة تهتدي إلى مثل هذا، فالتفت النبي – صلى الله عليه وسلم – إليها ثم قال لها: (انصرفي أيتها المرأة وأعلمي من خلفك من النساء أن حسن تبعل إحداكن لزوجها وطلبها مرضاته واتباعها موافقته تعدل ذلك كله) قال: فأدبرت المرأة وهي تهلل وتكبر استبشارا[12].
ومواساة الزوج والوقوف بجانبه مما ينبغي أن لا تغفله المرأة ولها في أم المؤمنين خديجة – رضي الله عنها – وموقفها في مواساة النبي – صلى الله عليه وسلم – ومؤازرته وعونه: أكبر دليل على الأهمية البالغة لهذا الدور، فإنها – رضي الله عنها – لما جاءها من غار حراء خائفا طمأنته وسكنت من روعه، ثم ذهبت به إلى ابن عمها حتى يبين لها خبر ذلك ويطمئن النبي – صلى الله عليه وسلم – على ما حدث له، وكانت تواسيه وتشد من أزره عندما يلاقي الجفاء من قومه، – رضي الله عنها وأرضاها-.

ثانيا: من أعظم ما تقوم به المرأة في بيتها بعد حق زوجها: القيام على أبنائها بالتربية الحسنة، والتنشئة الكريمة، فإن أدت واجباتها نحوهم وقامت بما أسند إليها من مسؤولية تجاههم نبتوا نباتا حسنا ونشئوا نشأة صالحة.
ولم أر للخلائق من محلٍّ *** يهذبها كحضن الأمهات
فحضنُ الأم مدرسةٌ تسامت *** بتربية البنين أو البنات
وأخلاق الوليد تقاس حُسناً *** بأخلاق النساء الوالدات
وليس ربيبُ عاليةِ المزايا *** كمثل ربيبِ سافلةِ الصفات
وليس النَّبْتُ ينبت في جِنان *** كمثل النبت ينبت في الفلاة
فالعناية بالأولاد وترتيب شؤونهم وتوفير طعامهم وشرابهم وغسيل ملابسهم ومتابعة دروسهم وتهذيب أخلاقهم وملاحظة سلوكهم من جملة تلك المسؤوليات الملقاة على كاهل المرأة ويشترك معها الزوج في بعض الأمور.

ثالثا: من المسئوليات الملقاة على المرأة الاعتناء بالمنزل ترتيبا وتنظيفا وتنظيما، فهو عش الحمامة وهذا من الأمور المهمة.
إذاً هذه الأعمال التي تقوم بها المرأة في البيت عظيمة ومهمة جدا، ولا يمكن أن يقوم بها غيرها، وهذا الأمر يوضح لنا عظم الشريعة في ترتيبها للحياة بين الجنسين، ويبين لنا أهمية قرار المرأة في بيتها، حتى تؤدي ما عليها من مسؤوليات؛ إذ لو انشغلت بأعمال أخرى خارج البيت فإنها ستؤثر سلبا على تلك الأعمال، وستجعلها تفرط في تلك المسؤوليات.
وقد يقول قائل: ولكننا بحاجة إلى المرأة في أعمال كثيرة، كالتعليم، والتطبيب، لبنات جنسها؟
فنقول: إن العلماء قد وضعوا لذلك ضوابط، ومن بينها إذن الزوج، وألا يؤدي عملها إلى ضياع الحقوق الواجبة عليها في بيتها، فإذا تنازل الزوج عن بعض حقوقه وسمح لها بالقيام ببعض الأعمال فلا بأس أن تعمل خارج البيت وفق الضوابط التي ذكرها العلماء.
والحمد لله رب العالمين…
__________________
[1] حراسة الفضيلة (ص 58).
[2] أحكام القرآن (5/229-230).
[3] في ظلال القرآن (5/2859).
[4] رواه البخاري (893) ومسلم (1829).
[5] حراسة الفضيلة (ص 60).
[6] رواه أبو داود والحاكم وصححه الترمذي.
[7] متفق عليه.
[8] الناضح: بعير يستقى عليه.
[9] هي كلمة تقال للبعير ليبرك.
[10] رواه البخاري (5 / 2024) رقم (4926).
[11] مسند أحمد ط الرسالة (3/199) رقم (1661)، وقال محققوه: حسن لغيره.
[12] شعب الإيمان (6/420) رقم (8743).

ميمى محمد عنتر ميمى محمد عنتر فتكات رائعة Fatakat 428498 القاهرة – مصر

سبحان الله و بحمده

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.