متلازمة الأسبرجر وطرق التعامل معها في المدرسة العادية
د / نعمة المطيري
ملخص:
موضوع الإضصرابات النفسية والسلوكية بين الأطفال والمراهقين موضوع مهم للبحث والتوعية بشأنه. ذلك لأن أكثر المدرسين قد يجهلون مثلا سبب العنف عند بعض الأطفال أو سبب اكتئابهم اوتشتت انتباهمهم المستمر او الصعوبات التي يواجهونها في التعلم أو في التواصل مع الغير. "متلازمة الأسبرجر" قد يتسبب في حدوث كل هذه الإضطرابات النفسية والسلوكية لدى الطفل. متلازمة الأسبرجر هي احدى اضطرابات النمو ذات الأصول التوحدية. يختلف عن التوحد بأن معدلات الذكاء لدى الأطفال المصابين بالأسبرجر تقع في المستوى الطبيعي أوفوق الطبيعي. و لكن أكثر ما يميز ه القصور الكيفي الواضح في القدرة على التواصل الاجتماعي و التعبير عن العواطف والانفعالات. ومن خلال دراسة خلال هذا المقال قد يتمكن المعلم في المدرسة العادية من معالجة بعض المشكلات التي يواجهها مثل هؤلاء الطلاب بعد شرحي لجميع أبعاد هذا الإضطراب والصعوبات الناشئة عنه وتقديم الطرق الحديثة المتبعة في التعليم والتعامل مع المصابين به.
متلازمة الأسبرجر
متلازمة الأسبرجر هي إحدى مجموعات اضطرابات النمو التوحدي التي تكون موجودة منذ الولادة ولكنها لا تكتشف مبكراً بل بعد فترة نمو عادي على معظم محاور النمو. وكما يشير هندرسون (2017) و ليتل (2017) فإن معدلات الذكاء لدى الأطفال المصابين بالأسبرجر تتراوح مابين الطبيعي وفوق الطبيعي، ونادراً ما يصاحب الأسبرجر تخلف عقلي أو تأخر في النمو اللغوي أو المعرفي. وأكثر ما يميز طفل الأسبرجر القصور الكيفي الواضح في القدرة على التواصل الاجتماعي وتكوين صداقات مع سلوكيات واهتمامات محدودة وغير عادية، وغياب القدرة على التواصل غير اللفظي، وعدم القدرة على التعبير عن العواطف والمشاعر والانفعالات ونقص في التقمص العاطفي (أسبرجر1991, وينج 1999).
يطلق البعض على الأسبرجر مصطلح التوحد ذو الاداء الوظيفي العالي (high functioning autism) أو أعاقة التوحد الخفيف (mild autism) لأن أعراضة ليست شديدة الحدة و أستجابة المريض لبرامج التدخل العلاجى والتأهيل عادة ما تكون سريعة وايجابية. تعود تسمية "الأسبرجر" بهذا الإسم نسبة إلى مكتشفها هانز أسبرجر الذي صنفه في عام 1944 على أنه اضطراب عقلي و نفسي توحدي، على أن تسميتة "بمتلازمة الأسبرجر" لم تبدأ بالظهور حتى عام 1981 عندما قامت لورنا وينج بالكتابة عنه كاضطراب بحد ذاته، موضحة أوجه التشابه والفرق بينه وبين اضطراب التوحد (وينج 1999). بدأ بعد ذلك العديد من الأختصاصيين بتطوير سلسلة من أدوات القياس و التشخيص لمتلازمة الأسبرجر والذي يصيب 1 من كل 250 طفل ويصيب الذكور أكثر من الإناث بنسبة تتراوح ما بين 9 الى 2.
الأعراض
أعراض الأسبرجر متعددة ومتنوعة وتختلف من فرد إلى أخر وليس بالضرورة أن تظهر جميع الأعراض مجتمعة في شخص واحد وبنفس الحدة ولكن قد تشكل النقاط التالية أهم سمات الأشخاص المصابين بالأسبرجر:
1. قصور في القدرة على التواصل الإجتماعي واستخدام لغة الحوار والمحادثة وفهم التلميحات ذات الدلالات الإجتماعية أو ما يسمى ب (المنهج الخفي).
2. 4صعوبة شديدة في تكوين صداقات وإذا تكونت تكون لفترة قصيرة جدا ولذلك دائما ما يعاني مريض الأسبرجر من الوحدة أو العزلة وقد يكون هذا جزء من عدم قدرته على اكتساب مهارات اجتماعيه.
3. دائما ما يتحدث طفل الأسبرجر مع الأخرين بدون النظر مباشرة إليهم. ولا يعبأ كثيرا باهتمامات الأخرين وأحاسيسهم حيث يتعذر على مريض الأسبرجر وضع نفسه مكان الآخرين أو فهم مشاعرهم.
4. عدم المقدرة على البدأ والاستمرار في حديث متبادل بشكل طبيعي متصف بالأخذ والعطاء حيث يتسم الحديث مع الآخرين بالرد القصير والتمسك بالمعنى الحرفي المباشر للكلمة أو الجملة.
5. استخدام أنماط لفظية غير عادية لمن هم في مثل سنه تتميز بالتكرار الممل أو تعليقات غير مناسبة للموقف.
6. التحدث بصوت مرتفع وعلى وتيرة واحدة و التطويل في نطق الألفاظ مع لهجة متكلفة ورسمية.
7 الإنتباه لأدق التفاصيل والتي قد لا تكون لها تلك الأهمية لدى الآخرين مما يسبب للطفل صعوبة بالغة في فهمه لما يقرأ أو يسمع.
8. التمسك بالروتين وعدم الرغبة في التغيير ويشمل ذلك طريقة التفكير والسلوك حيث يصر طفل الأسبرجر على القيام بالأعمال بطريقة تكرارية مملة فيتحدث بإسهاب في موضوع محدد دون غيره ويحاول معرفة كل ما يخص هذا الموضوع بالتحديد. كما يشعر بالإنزعاج الشديد والانفعال بسبب أي تغير في نمط الحياة اليومية أو الأعمال الروتينية مثل تغيير المكان أو برامج النشاط اليومي.
9. عدم تناسق في الحركة الوظيفية سواء عند المشي أو الركض أو اللعب أوالكتابة.
10. كثرة التململ والاهتزاز وعدم هدوء الجسم عن الحركة (اللاإرادية)، خاصة عندما يكون في حالة اهتمام أوتركيز أو توتر.
11. المظهر العام الذي قد يوحي بالغرابة ((clumsiness.
12. عدم الإهتمام بالنظافة الشخصية كعدم الرغبة بالإستحمام وتغير الملابس أواستخدام الروائح العطرية.
13. الفرط الحسي، حيث يتميز طفل الأسبرجر بتيقض الحواس الذي من شأنه أن يسبب له الإنزعاج الشديد من الأصوات والأنوار والروائح التي قد تبدوا عادية للغير أو الإحساس بالألم من أبسط المسببات مثل تقليم الأضافر أو عدم الإحساس أحيانا أخرى بالألم.
14. صعوبات في النوم.
15. مشاكل سلوكيه وأكثرها شيوعا العنف وسرعة الأنفعال والعناد. كما أن طفل الأسبرجر قد يعانى من أمراض نفسيه أو عصبيه أخرى مصاحبه لهذا المرض مثل الإكتئاب و الوسواس القهري. والبعض أيضا قد يعانى من قلة التركيز وتشتت الإنتباه وزيادة الحركة. ومع هذه الأعراض المصاحبة تتضاعف المشاكل والمتاعب لطفل الأسبرجر. كما أن العنف الزائد لديه يزيد من انعزاليته ومشاكله الإجتماعية والشخصية.
إن مجرد سرد النقاط السابقة ربما لاتمكن القارئ من أن يتصور ذلك العالم الخاص الذي يعيشه طفل الأسبرجر ولكن لو حاول القارئ أن يضع نفسه مكان مريض الأسبرجر وأن يعيش عالمه بكل ما فيه من أفكار ومتاهات ومخاوف فيرى الأشياء من منظوره ويشعربشعوره لأدرك و لو جزء يسير حجم هذه المعاناة. تروي هوليدي ويللي (1999) أحدى المريضات بالأسبرجر في كتابها "تظاهر بأنك طبيعي" و الذي تصف فيه معاناة المصابين بالأسبرجر فتقول:
تخيل بأنك تعيش في عالم مليئ بالضجيج وبأصوات الصفارات والمزامير المرتفعة ، والأنوار القوية تسطع في عينيك وأنت لا تستطيع أن تتحمل كل ذلك ولكنك تشعر بالعجز التام عن فعل أي شئ.
وتخيل بأنك مبهور بأناس تراهم من حولك و تعجب بهم، فتحاول تقليدهم في تصرفاتهم، و كلامهم، وحركاتهم وكل شي فيهم ولكنك لا تستطيع ولا تستطيع حتى الإقتراب منهم خوفا من أنك لن ُتحسن التحدث والتواصل معهم فتختار البقاء في البيت مفضلا أن تختبأ تحت السرير على أن تكون ضمن أصغر مجموعة من الناس.
وتخيل بأن تجد نفسك في هذا العالم وحيدا، لأنك تختلف عن كل ممن حولك في تفكيرك وتصرفاتك وأحاسيسك وسلوكك وميولك ومخاوفك.
وتخيل بأنك تعرف أن سبب اختلافك عنهم هو نفسه السبب الذي يعيق قدرتك على التواصل والأخذ والرد معهم لتعلم بعد ذلك أنه من شبه المستحيل أن يكون لديك أي صديق.
مسببات الأسبرجر
على الرغم من كثرة البحوث التي تناولت إعاقات النمو الشاملة والمختلفة فلايزال هناك الكثير من الغموض الذي يحيط ببعض جوانب الأسبرجر من ناحية العوامل المسببة له. فقد يرجع سبب الإصابة بالأسبرجر إلى عوامل جينية، على أن البحوث مازالت جارية في مجال الجينات وإمكانية تسببها بالأسبرجر . كما ان العوامل الخارجية من ملوثات للبيئة مثل المعادن السامة كالزئبق والرصاص (كتلك الموجودة في مصل التطعيم الثلاثي) واستعمال المضادات الحيوية بشكل مكثف أو التعرض للالتهابات أو الفيروسات قد يكون لها دور في إمكانية الإصابة بالأسبرجر ((NINDS, 2024. وقد يحدث نتيجة للإصابة بالأسبرجر زيادة نفاذية الامعاء ((Leaky Gut ، نقص الفيتامينات والمعادن، ضعف المناعة، وزيادة الحساسية ونقص مضادات الأكسدة ، نقص الأحماض الدهنية ونقص قدرة الجسم على التخلص من السموم والمعادن السامة (رابية حكيم، 2024) وكل هذا من شأنه أن يزيد من حدة الأعراض المصاحبة للأسبرجر كزيادة العنف والإكتئاب لدى الأطفال المصابين .
كيف يتم تشخيص الأسبرجر؟
على أن طفل الأسبرجر يمر في السنوات الأربع الأولى من عمره بمراحل نمو تشبه إلى حد كبير مراحل نمو الطفل الطبيعي- من حيث المشي والتكلم والتخاطب والتجاوب مع الغير والتخلص من الحفاظ- إلا أنه قد يلاحظ على الطفل في هذه المرحلة المبكرة كثرة البكاء بدون سبب واضح والشراهة في الأكل وصعوبة في النوم. بعد السنة الرابعة عادة ما تبدأ بعض علامات الأسبرجر بالظهور وقد تأخذ صورا مختلفة، منها عدم الرغبة في اللعب مع الأطفال وانعدام اللعب التخيلي والإبتكاري والإلتصاق الدائم بالأم وعدم النظر مباشرة إلى الآخرين عند التحدث وعدم الإشارة إلى الأشياء.
يتم التشخيص عن طريق تقييم شامل للنواحي البيولوجية والتطورية للطفل التي تشمل النواحي الذهنية والعصبية واللغوية، الجانب النفسي والسلوكي، والتناسق الحركي الوظيفي (التقاط الكرة، استخدام المقص، الكتابة). هذا بالإضافة إلى تقييم المهارات اللفظية، وغير اللفظيه (الإشارة إلى الأشياء، النظر إلى المتحدث)، ونقاط الضعف والقوة في أساليب التعلم، المهارات الإجتماعية، مدى استيعاب اللغة الإيحائية (النكت، المزاح،السخرية) ومهارات الحوار (الإجابة عند السؤال، إعطاء الدور للآخرين للتحدث، موضوعية الحوار، وضوح المعنى، وترابط الحديث في الحوار).
كيف يمكن مساعدة طالب الأسبرجر؟
تقول كارين ويليمز (1995) في مقالها " فهم الطالب الذي يعاني من الأسبرجر" إنه غالبا ما ينظر الآخرين إلى طفل الأسبرجر على أنه غير طبيعي وغريب الأطوار. جزأ من هذه النظرة سببها الحيرة والارتباك الواضحة على المظهر العام للطفل بالإضافة إلى الإنعزالية وعدم المقدرة على فهم القواعد الاجتماعية وطرق تطوير العلاقة مع الآخرين. كما أن عدم مقدرتهم على التكيف مع أي تغيير في محيطهم يزيد من حدة توترهم ومعاناتهم النفسية وهذا يجعلهم عرضة لسخرية الطلاب واستهزائهم و ضحية للتنمر (Bullying). وتشكل النقاط التالية أهم الصعوبات التي يواجهها الطالب المصاب بالأسبرجر وكيفية التعامل معها من قبل المدرسين والتربويين.
التمسك بالروتين والرتابه
إن سبب التمسك بالروتين هو التوتر والانفعال القهري الذي يشعر به طفل الأسبرجر كما هو نتيجة لإحساسه بالخوف وعدم المقدرة على افتراض التوقعات. وعادة ما يصاحب ذلك الإحساس بالإرهاق كلما زادت الضغوط وفقد الطفل الإحساس بالسيطرة على الموقف. وقد يكون إتباع البرنامج التالي في التعامل مع الطالب المصاب بالأسبرجر مساعدا له في التغلب على الرتابة التي أساسها الخوف وذلك عن طريق:
1. توفير بيئة تعليمية واضحة الأهداف و آمنه للطفل.
2. التقليل من التغييرات المفاجئة.
3. تزويد الطفل ببرنامج للروتين اليومي المتوقع.
4. تجنيب الطفل المفاجآت بحيث يتم إخباره بوضوح عن البرنامج الدراسي المتوقع أو أي تغيير قد يطرأ على الجدول الدراسي (مثل الامتحانات والنشاطات).
5.محاولة معرفة هوايات الطفل واهتماماته للتمكن من ادراجها ضمن النشاطات التي يطلب منه القيام بها.
عدم المقدرة على التواصل مع الآخرين
يتميز حديث طفل الأسبرجر بالتأتأة أو البطء بلفظ الكلمات و باستخدام عبارات مختصرة وخارجة بعض الشئ عن نطاق المحادثة مما يحد من مقدرته على الأخذ والرد مع الآخرين. وكثيرا ما يسمى طفل الأسبرجر "بالفيلسوف الصغير" وذلك لاستخدامه عبارات ذات معاني تتسم بالعمق لمن هم في مثل سنه. كما أن عدم القدرة على التواصل مع الغير وفهم القوانين التي تحكم العلاقة مع الآخرين تعد من أبرز المشكلات الأساسية التي تواجه طالب الأسبرجر الذي يتصف بالتركيز المطلق على الذات. هذا بالإضافة إلى عجزه عن تقدير المسافة الفعلية بينه وبين الغير مما يسبب له الشعور بعدم الارتياح من وجود شخص بالقرب منه. وقد يكون هذا السبب في تجنبه النظر إلى من يتحدث معه أو أن ينظر إليه بطريقة غير معبرة. كما يتعذر على المصاب التحدث أو التصرف بلباقة مع الآخرين أو فهم النكت وعبارات السخرية و التلميحات والخدع لاعتقاده الصدق في كل ما يقال مما يجعله عرضة لاستهزاء وأذى الأطفال الآخرين.
– ولمساعدة طفل الأسبرجر في المدرسة على التواصل مع الغير يفضل اتباع التالي:
1. حماية الطفل من السخرية والأذى من قبل الأطفال الآخرين.
2. تثقيف الأطفال الآخرين بماهية الأسبرجر وبأنها مشكلة تتطلب مساعدة الجميع للطالب المصاب كما يجب الإثناء على الطلبة المتعاونين و تشجيعهم على الإستمرار في تقديم الدعم لهذا الطفل.
3. تحفيز طفل الأسبرجر على زيادة التحصيل العلمي عن طريق خلق فرص للتعليم التعاوني و تعليم الأقران يستطيع الطفل من خلالها اكتساب مهاراته من الزملاء في جو ودي ليشعر الطفل بتقبل الآخرين له.
4. توجد لدى طفل الأسبرجر الرغبة الشديدة بتكوين أصدقاء. وعلى أن الصداقة تحدث بشكل طبيعي وتلقائي للكثير من الأطفال إلا أن طفل الأسبرجر يفتقد المهارة الفطرية والبديهية للتواصل مع الغير. لذلك يجب تدريبهم على مهارات التواصل الإجتماعي عن طريق إعطاؤهم مجموعة من العبارات والمواقف والشرح لهم عن طريقة استخدام العبارة المناسبة في الموقف المناسب ومن ثم القيام بمشهد تمثيلي عن أحد هذه المواقف ويطلب منهم التدرب عليها ومن ثم تطبيقها.
5.يتميز طفل الأسبرجر بالإنعزالية والإنسحابية من المجتمع لذلك من المجدي أن يقوم المعلم بدمج الطالب المصاب بالأسبرجر مع مجموعة من الطلبة الآخرين في أوقات الفسح أو النشاط وذلك للتحدث في مواضيع يتناقشون حولها سوية ويطلب المعلم من كل طالب إبداء الرأي.
6. قد لا يستوعب أو يأبه طفل الأسبرجر لمشاعر الغير إلا أنه بالإمكان تدريبه على التقمص العاطفي عن طريق الشرح المباشر والدقيق له عن المشاعر السلبية التي تنتج عند إيذائه لمشاعر الآخرين عن غير قصد منه لفظاظته بالحديث أو عدم لباقته وشرح المشاعر الإيجابية التي يجب أن يتصف بها الإنسان الطبيعي.
7. قد يستفيد طفل الأسبرجر كثيرا من وجود "Buddy system" أو ما يعرف بالصحبة المنظمة أو المرتب لها وذلك عن طريق اختيار أحد الأطفال في الفصل ممن يتوسم فيهم المعلم القيام ببعض المسؤوليات اتجاه طفل الأسبرجر مثل الجلوس إلى جانبه في الفصل و قضاء جزأ من وقت الفسحة وأوقات النشاط معه ومساعدته في بعض الأنشطة التعليمية.
محدودية الإهتمامات
يعاني طفل الأسبرجر من تعلقه باهتمامات محدودة واقتناء أشياء غريبة و التركيز عليها دون غيرها، مثل جمع ألعاب غريبة أو اقتناء حيوانات نادرة تكون محور اهتمامه وحديثة فيسأل عنها بإسهاب و تكرار غير آبه برأي الآخرين، كما ينصرف عن تعلم أي شيء ليس له علاقة بموضوعات اهتمامه. وللتعامل مع هذه المشكلة قد يكون من المجدي اتباع ما يلي:
1. عدم السماح للطفل بالإسهاب وتكرار الحديث في الموضوعات المحدودة التي تهمه وذلك بتحديد وقت معين ليتسنى له التحدث وطرح جميع تساؤلاته حول موضوعه المفضل.
2. تعزيز السلوك الإيجابي لدى طالب الأسبرجر عن طريق المديح والثناء على أبسط الأشياء الإيجابية التي يقوم بها حتى وإن بدت تلقائية و بديهية للغير.
3.قد يرفض طفل الأسبرجر القيام بعمل واجباته المدرسية خارج نطاق اهتماماته ولكن من المهم أن لا يكون زمام الأمور بيديه في هذا المجال وأن يكون واضحا لديه ما هو متوقع منه أداؤه وضرورة إتباعه للتعليمات. كما أنه من المهم أيضا أن نعطي لهذا الطالب مساحة حرة يستطيع من خلالها الإطلاع وإطلاع الآخرين على معلوماته في المواضيع التي تستهويه. مثال على ذلك أن يطلب منه كتابة مواضيع إنشائية من اختياره أو أن تشتمل مسائل الرياضيات التي تعطى له على مفردات ذات صلة باهتماماته.
4. توسيع دائرة الموضوعات المراد تعريف طالب الأسبرجر بها عن طريق التشويق وربطها بمعلومات تهمه. مثال على ذلك خلال حصص الجغرافيا قد يطلب منه أن يبحث عن أهم الحيوانات التي تعيش في بيئة معينه ومن ثم يطلب منه معرفة سبب عيشها في تلك البيئة بالتحديد كطبيعة المناخ والتضاريس ومقارنة ذلك مع بيئات أخرى تعيش فيها حيوانات مختلفة.
صعوبة الانتباه
غالبا ما تتسبب المحفزات الداخلية (internal stimuli) لطفل الأسبرجر بالتشتت والفوضى في عملية التفكير وعدم القدرة على الانتباه أثناء الحصة الدراسية. وهذا لا يعني فقدان القدرة على التركيز ولكنه تركيز من نوع مختلف يؤثر على قدرة الطفل على التمييز بين ما هو مهم ويجب الإنتباه له و ما هو غير مهم، فيصرفه ذلك إلى ملاحظة أشياء لا صلة لها بالدرس. و مثال على ذلك أن ينشغل المصاب بالأسبرجر بالحذاء الجديد الذي يلبسه أحد الطلاب أو بقصة شعر طالب آخر أو بقلمه الجديد أو بحركة يد المعلم ثم يدخل في حالة من الإنفصال التدريجي عن محيطه الخارجي والدخول في حالة أكثر تعقيدا من الشرود الطبيعي.
– وقد تفيد النقاط التالية في التخفيف من هذه المشكلة:
1. إن لفت إنتباه هذا الطالب إلى الدرس يتطلب الكثير من الجهد والمحفزات الخارجية كأن يقوم المعلم مثلا بتقسيم الدرس إلى وحدات صغيرة و قصيرة حتى لا يشعر الطالب بالملل ويقوم بالتوجيه والتنبيه وتشجيع هذا الطالب على المشاركة.
2.لفت انتباه الطالب عن طريق الطبطبة على كتفه أو وضعه بالقرب من أحد الطلاب النبيهين لتذكيره بضرورة الإنتباه للدرس.
3. قد يكون من المفيد وضع الطالب في مقدمة الصف الدراسي و توجيه بعض الأسئلة إليه ليبقى منتبها للدرس.
4. قد يستفيد الطالب من التدريبات الصفية التي يعين المعلم وقت محدد لإنجازها وحين لا يتمكن الطالب من ذلك يعطى وقتا إضافيا بعد انتهاء الحصة لإكمال التدريب. قد يكون المصاب بالأسبرجر أكثر عنادا من غيره من الأشخاص العاديين لذلك من المهم التعامل معه بشيئ من الحزم والنظام ليعرف المطلوب منه عمله وبأن ذلك سيكون له مردودا إيجابيا عليه. هذا من شأنه أن يخفف من حدة التوتر لدى هذا الطالب ويزيد من ثقتة بنفسه وبقدراته.
5. من المهم أن يشجع المعلم الطالب المصاب بالأسبرجر بأن يخرج تدريجيا من عالمه الداخلي بما فيه من خيالات وأفكار وأحاسيس وأن يركز على ما في العالم الحقيقي. إن العالم الداخلي للشخص المصاب بالأسبرجر أكثر قوة و تأثيرا عليه مما حوله في محيطه الخارجي، وهذا يشكل صراعا مستمرا بداخله فكلما واجهته مشكلة يلجأ إلى ذلك المكان الجذاب الذي يشعر فيه بالراحة والأمان.
6. إن صعوبة التركيز والإنتباه والبطء في الكتابة والتشتت الفكري لدى طالب الأسبرجر يجعل من إنجاز الواجبات الدراسية في المنزل مهمة شاقة على الوالدين اللذين قد يقضون ساعات طويلة لإنهاء الواجب. لذلك قد يكون من المفيد تخفيف عبأ الفروض الدراسية ومحاولة مساعدة الطالب أثناء حصص النشاط أو أوقات الفراغ في المدرسة لإتمام جزأ من الفروض بمساعدة المعلم أو أحد التلاميذ ليتسنى للوالدين قضاء الوقت للإهتمام بالجوانب الأخرى من معاناة هذا الطالب.
عدم الإتساق الحركي
يعاني المصاب بالأسبرجر من عدم التناسق الحركي (poor coordination) وتصلب في الحركة الوظيفية مما يعيق حسن أداءهم عند اللعب خاصة اللعب الذي يتطلب تناسق الحركة (مثل كرة القدم، كرة الطائرة، الجري وغيرها). عدم الإتساق الحركي هذا قد يعيق مقدرة طفل الأسبرجر أيضا على الرسم والسرعة في الكتابة. وقد تفيد الإرشادات التالية في تحسين شعور طفل الأسبرجر بقدرته وتطوير مهاراته الحركية:
1.أن يكون التركيز في حصص الرياضة على تمارين اللياقة البدنية بعيدا عن أنواع الرياضة ذات الطابع التنافسي.
2. تجنيب الطالب اللعب ضمن فريق ضد فريق آخر حيث أن عدم الإتساق الحركي لطفل الأسبرجر يزيد من توتره ومن سخرية الآخرين منه. كما تنقص هذا الطفل فهم المهارات الإجتماعية اللازمة لتنسيق حركته وفقا لحركة أفراد الفريق.
3. الأخذ بعين الإعتبار أن طفل الأسبرجر قد يحتاج إلى مزيد من الوقت لإنهاء كتابة ما يطلب منه بسبب ضعف التناسق الحركي لديه مما يعيق سرعته في الكتابة.
4. يحتاج طفل الأسبرجر إلى وقت أطول من الطلاب العاديين أثناء أداء الامتحانات. لذلك يكون من المجدي أداؤه للإمتحان في غرفة المصادر (Resource Room ليس فقط من أجل إعطائه المزيد من الوقت ولكن لتزويده بالدعم والتوجيه الضروريين ليتمكن من التركيز على أداء ماهو مطلوب منه بالتحديد.
5. قد يكون من المجدي وضع طالب الأسبرجر في فصل خاص مع مجموعة صغيرة من الطلاب المتعاونين ومن مستويات مختلفة من التحصيل العلمي لكي يتمكن هذا الطالب من التغلب على توتره من وجوده في مجموعة كبيرة من الطلاب وليسهل عليه الإنتباه والتركيز وأداء التدريبات الصفية الجماعية.
صعوبات التعلم
على الرغم من أن مستويات الذكاء لدى أطفال الأسبرجر تقع في المستوى الطبيعي أو ما فوق الطبيعي إلا أنه تنقصهم مهارات التحليل والإستيعاب المتطورة بسبب تركيزهم على المعنى الحرفي المباشر (literal) والتصور الملموس (images concrete) بينما يجدون صعوبة بالغة في التفكير الإدراكي المجرد (abstraction). ولتميز أسلوبه في الحديث المتسم بالفلسفة واختياره المدهش لعباراته فقد يعطي المصاب بالأسبرجر الانطباع بأنه يعي ما يقول بينما يكون في الواقع مرددا فقط لما يقرأ و يسمع. كما يتمتع طفل الأسبرجر بذاكرة قوية ولكنها تعمل بطريقة ميكانيكية مبرمجة فيتعذر عليه بسبب ذلك التفكير الاستنباطي والإستنتاجي. وقد تفيد النقاط التالية في تغلب هذا الطفل على بعض صعوبات التعلم التي تواجهه أو التعامل معها بطريقة أكثر إيجابية:
1. تزويد الطالب بخطة فردية للدراسة مصممة لتضمن له النجاح المستمر. ذلك لأن طالب الأسبرجر بحاجة إلى محفزات قوية لكي يتغلب على دوافعه الداخلية وليكون للتعليم مردودا إيجابيا عليه وليس مصدرا لإثارة توتره وتحديا لقدراته.
2. محاولة شرح و تبسيط المعاني المجردة ليسهل على هذا الطالب فهمها.
3. محاولة استثمار الذاكرة القوية التي يتمتع بها طالب الأسبرجر وذلك بتعزيز حجم المعلومات الترتيبية التي يستطيع الطالب أن يضيفها إلى ذاكرته. كما أن نقاط القوة في أسلوبه للتعلم تتركز في أسلوب النظر وليس في أسلوب السمع لذا من الأفضل تعزيز المعلومة المرئية من خلال الصور وأفلام الفيديو التعليمية بدلا من الإعتماد الكامل على أسلوب الشرح والتلقين.
4. الإنتباه إلى أن طالب الأسبرجر قد يجد صعوبة في استيعاب وفهم المشاعر والمعاني التي تحتمل أكثر من تفسير وكذلك العلاقات الإنسانية المختلفة لذا يجب التركيز على إيضاح هذه المعاني وإعطاء أمثلة تصويرية ليسهل عليه فهمها.
5. عادة ما تتميز كتابات طالب الأسبرجر بالتكرار والانتقال المفاجئ من موضوع لآخر واستخدام كلمات بعيدة عن المعنى المقصود حيث لا يتمكن طفل الأسبرجر من فصل المعلومات العامة عن أفكاره الخاصة ويتوقع من المعلم أن يفهم المصطلحات الغامضة التي يكتبها.
6.يتميز الطالب الأسبرجر بمهارات عالية في القراءة ولكن استيعابه لما يقرأ عادة ما يكون ضعيف.
7.غالبا ما يكون الأداء الأكاديمي لطالب الأسبرجر دون المستوى (مثل ترتيب الدفتر، الكتابة بخط واضح، النقل الصحيح من على السبورة، الانتهاء من حل التدريبات الصفية، نظافة الدفتر) وذلك بسبب عدم وجود الدافع والحماس لبذل الجهد في مواضيع لا تمثل له أي أهمية. في هذه الحالة يجب على المعلم أن يوضح للطالب أنه يتوقع منه محاولة بذل المزيد من الإهتمام في أداء هذه المهام و يطلب منه إعادة كتابة التدريبات بطريقة أفضل خلال حصص النشاط أو الفراغ وبتوجيه منه.
العجز العاطفي
بينما يتمتع طالب الأسبرجر بالذكاء الذي يمكنه من مواصلة دراسته في فصول التعليم العام إلا أن نقص تطوره العاطفي النفسي قد يحد من مقدرته على التكيف داخل الفصل الدراسي حيث يكون دائم الشعور بالتوتر والقلق كما يجد صعوبة في التكيف والمرونة مع المستجدات ويفتقد إلى الحماس وينقصه الاعتداد والثقة بالنفس ويلجأ إلى نقد الذات. وفي سن المراهقة قد يعاني مريض الأسبرجر من الاكتئاب وتقلب المزاج الحاد والغضب والعنف كردة فعل عن شعوره بالضيق والتوتر والعزلة. ونادرا ما يشعر مريض الأسبرجر بالاسترخاء، بل على العكس قد يشعر بهول الأشياء عندما لا تتطابق مع ما يمليه عليه شعوره الداخلي الرافض للتغيير. ويشكل التعامل مع الآخرين وروتين الحياة اليومية بالنسبة لطفل الأسبرجر معاناة كبيرة وتستنفذ الكثير من جهده وطاقته.
والأسلوب التالي للتعامل مع هذا الطفل قد تكون له إيجابياته في تعزيز الجانب العاطفي النفسي لطفل الأسبرجر:
1. محاولة تجنيب هذا الطفل حالات التوتر بسبب التغيير المفاجئ وذلك عن طريق خلق جو من الانضباط الخالي من التقلبات ولكن بإعداده تدريجيا لمواجهة بعض التغييرات في يومه الدراسي.
2.تدريب الطالب على كيفية التعامل مع التوتر حينما يشعر بأنه غير قادر على مواصلة التحكم وحتى لا يتحول التوتر إلى نوبة خارجة عن السيطرة. يتم ذلك بأن يطلب من الطفل كتابة قائمة بما يجب عليه فعله إذا أحس بالتوتر (مثال: ?- التنفس بعمق ثلاث مرات، ب- عد أصابع اليد اليمنى ثلاث مرات ثم اليسرى ثلاث مرات، ج- قراءة سورة قصيرة من القرآن الكريم أو أحد الأدعية، د- الذهاب للتحدث مع المرشد النفسي، و ما شابه) مع أهمية تضمين القائمة أحد الطقوس التي يعتاد الطفل أن يشعر معها بالاطمئنان والراحة. توضع هذه القائمة بجيب الطفل بحيث تكون في متناول يده متى ما دعت الحاجة إليها.
3.يجب خفض التعبيرات الدالة على الإنفعال في صوت المدرس لأدنى مستوى وأن يتحلى المعلم بالهدوء والصبر والتعاطف الواضح أثناء تعامله معمع طالب الأسبرجر حتى لا يسبب له التوتر. يعلق على ذلك هانز أسبرجر(1991) فيقول بأن المعلم قد يشعر بالضيق والعصبية حين لا يستطيع أن يدرك أن عليه أن يقوم بتعليم طفل الأسبرجر أشياء قد تبدوا واضحة وبديهية وسهلة للطلاب العاديين.
4. وكما لا يدرك طفل الأسبرجر مشاعر الغير فإنه يجد صعوبة كذلك في فهم مشاعره الخاصة فيلجأ إلى إخفاء معاناته وينكر عوارضها أمام الآخرين. لذا يجب على المعلم أن ينتبه لأي تغيير قد يطرأ على الطفل مما يدل على اكتئابه مثل الانعزالية، والشرود الذهني، واختلاط الأمور عليه، والشعور بالتشويش، وزيادة الشعور بالتوتر والإرهاق، والبكاء، والتفكير بالانتحار كما يجب عدم الاعتماد على تقييم الطفل لنفسه في مثل هذه الأمور.
5. يجب تبليغ المختصين عن حالة الطفل إذا ما لوحظ عليه علامات الإكتئاب الشديد ليتسنى للمختصين ملاحظة حالته وعلاجها لأن طفل الأسبرجر غير قادر على تقييم حالته النفسية بنفسه ولا يستطيع أن يطلب من الآخرين مواساته ومساعدته.
6. تشكل العلاقات الاجتماعية للمراهقين العاديين أهمية كبيرة في هذه المرحلة العمرية ولهذا يكون مراهق الأسبرجر أكثر عرضة من غيره للاكتئاب لإدراكه بأنه مختلف عن غيره وبأن من الصعوبة عليه تكوين علاقات عادية مع الغير. كما أن المواد الدراسية تصبح أكثر تعقيدا وصعوبة في هذه المرحلة مسببة لطالب الأسبرجر الكثير من التحدي. لذلك من الضروري جدا أن يجد مريض الأسبرجر المراهق الدعم الكافي من أحد أعضاء الكادر التدريسي في المدرسة حيث يلتقي معه مره واحدة على الأقل يوميا ليتأكد من أن الطالب لا يواجه مصاعب لا يمكنه تحملها أو التعامل معها. كما يجب الأخذ بملاحظات ومرئيات المدرسين الآخرين حول هذا الطالب. ولأن طالب الأسبرجر شديد التأثر من الفشل وبنسبة أكبر مقارنة بغيره من الطلاب العاديين فإنه من الضروري جدا أن يجد طالب الأسبرجر الدعم الكافي متى ما لوحظ عليه أنه يعاني من صعوبات في التعلم والدراسة.
عادة ما تتحسن الأمور بعد سن المراهقة
يؤكد كل من باورز وبولند (2017) في كتابهم "دليل الآباء عن طفلك و متلازمة الأسبرجر"، بوجوب تذكير طفل الأسبرجر بأن الأمور ستتحسن للأفضل بعد رحلة المعاناة والتي تبلغ ذروتها في فترة المراهقة بسبب تحرش الزملاء واستفزازاتهم وتهكمهم. ذلك بأن المصاب بالأسبرجر يبدأ بالنضوج وكذلك زملاؤه فيقل الإستفزاز والتحدي وتتعدد كذلك الخيارات المتاحة أمامه ليقضي وقته مع من يشاء ويتابع دراسته في التخصص التي يرغب. وبفضل جهود الآباء والمدرسين في ترسيخ المهارات الاجتماعية في وقت مبكر لدى المصاب بالأسبرجر فقد يتمكن المصاب من تخطي زملائه في مهاراتهم الاجتماعية ويتمكن من التعامل مع الصعوبات التي كان يعاني منها في الصغر ويشعر بالفخر والاعتزاز عند الثناء على الموهبة الخاصة به والتي عادة ما يتميز بها المصاب بالأسبرجر. كما سيجد عند تخطيه مرحلة المراهقة الكثير من التقدير والاحترام من الآخرين وذلك للصفات النبيلة التي غالبا ما يتمتع بها المصاب بالأسبرجر مثل "الذكاء والحكمة والصدق والأمانة والولاء" (ص: 210).
الكاتب: د / نعمة المطيري
المصدر – موقع الإدارة العامة للتربية الخاصة
https://www.se.gov.sa
غزالة فرعونية غزالة فرعونية 261075_2.gif سوبر فتكات Fatakat 261075 الشارقة – الامارات