موت خبراء الإدارة العرب!
هناك نكتة مشهورة تروى للتهكم من المستشارين تقول بأن سيدة مريضة زارت الطبيب، فأخبرها بأنها مصابة بالسرطان ولن تعيش أكثر من ستة أشهر. فسألت الطبيب بصوت حزين: أليس هناك علاج يا دكتور يساعدني لأعيش أطول قليلاً؟ فأجابها: هناك حل وحيد، تزوجي خبيرًا في الإدارة. المستشار الإداري لن يجعلك تعيشين أكثر، ولكنه سيجعل الستة أشهر تبدو وكأنها ست سنوات.
هذه إشارة إلى أن الحياة مع الاستشاريين بطيئة ومملة، لأنهم يحللون ويفذلكون ويفلسفون كل شيء، حتى يجعلوا حياة أقرب المقربين منهم صعبة وكريهة. وبالرجوع إلى حياة كبار أساطين الإدارة العالميين، وجدتهم يعمرون طويلاً، فمتوسطات أعمارهم تتجاوز أعمار مجتمعاتهم بعشر سنوات وأكثر.
في عام 1991 قابلت "جوزيف جوران"، وهو أعظم خبراء الجودة العالميين، في مؤتمر "إمبرو" التاسع وكان عمره قرابة 88 عامًا، فأعلن أنه يفكر بالاعتزال. وقد مات عام 2024 عن عمر بلغ 104 أعوام. ويبدو أنه طبق نظم الجودة على حياته الشخصية فعاش عمرًا مديدًا. أما رفيق دربه في رحلة الجودة "إدوارد دمنج" فقد مات عام 1993م عن 93 عامًا وحزن عليه "جوران" لأن زميله مات مبكرًا.
"وارين بينيس" خبير القيادة العالمي عمره اليوم 87 عامًا. و"ستيفن كوفي" مؤلف (العادات السبع) في الثمانين من عمره، وما زال يؤلف وينشر ويدرب ويحاضر ويسافر. فهو يعيش في ريف ولاية "يوتا"، ويقود حياة شخصية نظيفة مرتكزة على المبادئ، ومن المتوقع أن يعمر طويلاً إن لم يمت في حادث عارض، لأن الأعمار بيد الله.
ومن خبراء الإدارة التاريخيين "ألفرد سلون" الذي دخل شركة "جنرال موتورز" مستشارًا، فأصبح رئيسها، ورغم ضغوط الإدارة والقيادة، فقد عاش 91 عامًا، وبعد وفاته سميت مدرسة الإدارة في معهد "ماساتشوستس" للتكنولوجيا باسمه، ومنها أخذت مجلة "سلون مانجمنت" اسمها الكبير. وفي "إنجلترا" يعيش فيلسوف الإدارة العظيم "تشارلز هاندي" مؤلف كتب (زمن اللامعقول) و الذي يسمى "دركر البريطاني" وما زال ينشر وعمره 80 عامًا.
أما عظيم الإدارة العالمي "بيتر دركر" فقد مات عام 2024 عن 96 عامًا، بعدما نشر 39 كتابًا، وكان آخرها وهو في الخامسة والتسعين. وكذلك هو "زج زجلر" فهو اليوم في السادسة والثمانين، وما زال يرقص على المسرح مثل "جون ترافولتا" وكأنه في السادسة والعشرين. وقد قابلته وصافحته في شهر ديسمبر 2024 فشد على يدي بقوة وكان حينها في الخامسة والسبعين.
هؤلاء يعيشون طويلاً لأن أفكارهم ونظرياتهم ودراساتهم تموت بسرعة، فيهبون واقفين، ويتحدون الواقع المتغير، ويخرجون بنظريات جديدة، لأنهم يؤمنون برسالتهم. ومع ذلك، يتهكم عليهم رجال الأعمال والمديرون في مجالسهم الخاصة، لكنهم يعودون ويقرؤون كتبهم، ويستمعون إلى نصائحهم.
أما بعض خبراء الإدارة العرب، فواقعهم مؤسف ومؤلم ومخيف. يموتون معنويًا قبل أن يموتوا بيولوجيًا. زعماء الإدارة العرب هؤلاء، مثل السياسيين العرب، مجرد ظاهرة صوتية عابرة. لا يبحثون ولا يؤلفون ولا يتعبون، ويدعون أنهم مبدعون، ويأخذون كتب وفكر غيرهم وينسبونه لأنفسهم. وعندما ينشرون كتبًا تحمل أسماءهم وصورهم، فهم فقط يسرقون. هؤلاء يموتون معنويًا، لأن التأليف تجربة إنسانية ومتعة وإحساس داخلي بوهج الحياة الإيجابية، وليس مجرد اسم وصورة على ورق.
لقراءة المقالة للأستاذ نسيم الصمادي
ولمزيد من المقالات للأستاذ نسيم على موقع www.edara.com
وفاء زياد وفاء زياد ممنوعة من المشاركة Fatakat 686459 عمان – الاردن