عكست مقولة الشاعر والقس الانجليزي جون دون الانسان ليس في جزيرة وحده أهمية التواصل والحوار والعلاقات الاجتماعية في ازدهار المجتمعات الانسانية وتطورها وقد أيدتها حركة نمو الامم خلال الاربعمئة سنة التي أعقبت إطلاقه لهذه العبارة، حيث اتصفت بنيتها بالتعقيد والتشابك والاتساع المستمر.
ولم يعد مستحيلا في ظل هذا التشابك والتعقيد أن يكون التواصل المباشر الاحتماعي ذا فائدة كبيرة، بينما ذهبت الدراسات والابحاث الحديثة إلى أبعد من ذلك فقد اقترحت ان العلاقات الاجتماعية من الممكن أن تلعب دورا مهما في تنمية الوضع الصحي في المجتمع مما أعطى التواصل الاجتماعي بعدا جديدا يتعدى الاسرة والمجتمع.
ولعل تحول السمنة في كثير من الدول الاجنبية إلى ما يشبه الوباء الذي ينشر في هذه المجتمعات انتشار النار في الهشيم بسبب إحجام الافراد عن ممارسة الرياضة و الاستهلاك المفرط للاغذية الجاهزة والعلبة ذات السعرات الحرارية العالية من أوضح الامثلة التي تبرز تداخل العلاقات والشبكات الاجتماعية في تفشي أو السيطرة على الكثير من الامراض، فقد وجدت دراسة لمجموعة من باحثي جامعة هارفارد وجامعة كاليفورنيا والتي قامت بمراقبة 12067 شخصا أنه في حال وجود أحد الاخوة في العائلة يعاني من السمنة فإن احتمالية إصابة الاشقاء الاخرين بنفس الحالة تزيد بمقدار 40%، ومن الممكن أن تفسر الوراثة والجينات هذه الحالة، ولكن ما كشفته الدراسة حول ارتفاع احتمالية انتشار السمنة بين الازواج في حالة إصابة أحدهما إلى 37% لا يمكن إرجاعه الا للتشابه في نمط الحياة والعادات الغذائية، كما أن عدوى السمنة من الممكن أن تنتقل بين الاصدقاء وخاصة بنسبة 57% وترتفع هذه النسبة بين الاصدقاء من نفس الجنس.
ومن هنا تقول الدراسة ان العلاقات الاجتماعية تملك سلطة تحديد المقبول والمرفوض من التصرفات في حدود المجموعة التي ينتمي إليها الفرد، فعندما يلاحظ شخص ما أن صديقه أصبح بدينا مع الوقت فان اكتساب كيلوغرامات اضافية سيصبح أمرا طبيعا ولن يلجأ إلى التخفيف من تناول الطعام أو ممارسة الرياضة.
وفي نفس السياق أجريت دراسة مشابهة لتلك الخاصة بالسمنة في محاولة لتفسير انتشار السعادة بين أفراد المجموعة الواحدة (أصدقاء، جيران، أسرة، زملاء عمل) من خلال استخدام مقياس الاكتئاب المعتمد لدى مركز دراسات الاوبئة، وقد ركزت هذه الدراسة على متابعة تقلبات المزاج مع مرور الوقت.
وأشارت الدراسة أن العامل المحدد لسعادة الفرد مستقبلا هو مدى شعورهم بالسعادة فيما مضى من حياتهم كما أن الاصحاء أكثر سعادة من المرضى، فيما يلاحظ أن النساء أقل حبورا من الرجال وكذلك الاشخاص الاقل تعليما من غيرهم.
وبالارقام، تترفع احتمالية شعور أحد الازواج بالسعادة بمقدار 8% إذا كان الطرف الاخر يشعر بالفرح والسرور، لكنها إشاعة البهجة والارتياح النفسي تختلف عن انتشار عدوى السمنة في كون تبادل السعادة بين الناس لا يعوزه قرب المسافة كما أنها لا تنتشر بين الجيران وزملاء العمل كالسمنة.
ومما سبق، يتضح لنا أن ما يسمى بعلم الشبكات الاجتماعية حديث الظهور مقارنة بعلم الاوبئة وأن تأثيراً على التطور الطبي والصحي ما زال بحاجة إلى بحث وتمحيص لتأكيد دوره الفعلي في ذلك، فقد بينت الكثير من الدراسات أن الظواهر غير المعدية تنتشر أيضا في المجتمعات من خلال شبكات العلاقات الاجتماعية.
ومن الضروري أن يسخر الاطباء ما توصلت إليه الدراسات من نتائج حول دور العلاقات الاجتماعية في الارتقاء بالجانب الصحي للتوعية بأهمية العادات الصحية السليمة لرفع مستوى الصحة العامة في المجتمع.
تم حذف الرابط
ممنوع وضع روابط لأي موقع آخر
الإدارة
media medicare media medicare ممنوعة من المشاركة Fatakat 596870 عمان – الاردن