بالمستندات.. أسماك النيل وبحيرات الدلتا تصيب بالسرطان والفشل الكلوى بسبب الصرف الصحى.. ترنشات الصرف تسمم المياه الجوفية وسيارات الكسح تلقى سمومها فى الترع.. ومئات البلاغات من المواطنين ولا أحد يستجيب
الأربعاء، 17 ديسمبر 2024 – 11:35 ص
كتب : محمود عسكر
نقلا عن العدد اليومى :
فى إحدى زياراتى لقريتى، وجدته جالساً وحده على رأس قطعة أرض يملكها على شاطى النيل «فرع رشيد»، ورثها عن والده الذى ورثها بدوره عن والده.. على وجهه تعلو ملامح الحزن والمرض الشديد.. هو عم «عبده. ح» 54 سنة أحد سكان محافظة البحيرة.. وبمجرد أن ألقيت عليه السلام قال «الناس بتسمم المية اللى بتشربها.. والزراعة اللى بتاكلها».. قلت له كيف؟ رد بسرعة: دول بيسقوا الأرض بمية الصرف الصحى وبيرموها فى النيل والمصارف».
هذه الكلمات كانت المحرك الرئيسى لإجراء هذا التحقيق الميدانى الذى كشف حجم هذه الكارثة، وكشف أيضا ظاهرة جديدة أكثر خطورة، للأسف ابتكرها الناس فى محافظات الوجه البحرى للتخلص من صرف منازلهم عن طريق توصيل مياه صرف المنازل بمواسير إلى المياه الجوفية، ولعل هذا ما تسبب فى التلوث السريع، والانتشار الكبير للأمراض فى فترة وجيزة جدا ولا يستطيع أحد مراقبتها أو كشفها، إلا من نفذها، لأن ذلك دائما يحدث داخل المنازل الريفية أو بجانبها.
ورغم أن هذه التصرفات هى تصرفات قديمة ليست فى مصر فقط بل فى أغلب الدول العربية الفقيرة، كما أنها ليست جديدة، خصوصا فى المحافظات؛ نظرا لعدم وجود شبكات صرف صحى فى 90% من القرى؛ ولذلك يلجأ الناس للتخلص من الصرف الصحى إما فى النيل للقرى القريبة منه أو فى المصارف التى تصب هى الأخرى فى النيل فى نهاية المطاف.
إلا أن الوضع فى الفترة الأخيرة ازداد سوءا ووصل إلى ما يمكن أن نصفه بالكارثة البيئية والصحية، بعد الزيادة الكبيرة فى عدد السكان فى السنوات الأخيرة، بالإضافة إلى غياب الدور الحكومى، إما بسبب الظروف السياسية خلال 4 سنوات الأخيرة وما قبلها، أو بسبب الإهمال المتعمد.
وهو ما نتج عنه ارتفاع كبير فى الإصابات بأمراض لم تسمع عنها مصر ولم تكن منتشرة بها إلى هذا الحد من قبل، وعلى رأسها جميع أنواع السرطان، وخصوصا المعدة والكبد، والفشل الكلوى، والفيروسات الكبدية، التى تأتى غالبا بعد الفشل الكلوى، بالإضافة إلى أمراض المعدة والتيفود وغيرها من الأمراض التى انتشرت بشكل كبير بسبب التلوث واختلاط مياه الشرب بمياه الصرف الصحى، أو استخدام مياه الصرف فى الزراعة، أو تناول الأسماك الناتجة من النيل، أو البحيرات التى يتم التخلص من مياه الصرف الصحى بها، خصوصا البحيرات الشمالية فى الدلتا.
ولكى نبدأ التحقيق بشكل سليم بدأت «اليوم السابع» الموضوع بمقابلة أحد المواطنين فى محافظة البحيرة، وهو من المهتمين بهذه المشكلة فى عدة قرى بالمحافظة، وهذه القرى تابعة للوحدة المحلية بالنجيلة مركز كوم حمادة «120 كم شمال غرب القاهرة» ويدعى أحمد رمضان.. والسبب الرئيسى فى اختياره هو أنه قام بعدد كبير من الشكاوى سواء للوحدة المحلية أو المحافظ أو مسؤولى شركات المياه والصرف الصحى، بالإضافة لبلاغ للنائب العام ورئيس مجلس الوزراء ولكن دون أى استجابة منهم، فما عدا النائب العام الذى بدأ التحقيق فى هذه البلاغات فعلا «بلاغ رقم صادر 4366 نيابة جنوب دمنهور».. وحصلنا منه على صور لكل هذه الشكاوى والبلاغات.
وبمجرد بدء الجولة فى هذه القرى شاهدنا ما يطلق عليه سيارات الكسح «وهى سيارات لنقل الصرف الصحى من البيوت الريفية إلى المصارف أو النيل»، وهى للأسف سيارات غالبا تكون تابعة للوحدة المحلية، وتلقى بحمولتها فى مياه الترع والمصارف التى يقوم الفلاحون بزراعة محاصيلهم منها بدون معالجة هذه المياه غير الصالحة للزراعة والمحملة بالكثير من السموم والمواد الصلبة المضرة، والتى تتسبب فى ارتفاع كبير فى العناصر الصلبة فى هذه الزراعات مما يسبب أمراضا خطيرة مثل الفشل الكلوى وأمراض الكبد والسرطان وغيرها، «حصلنا على تقرير من وزارة الصحة يؤكد ذلك».
وفى سعى للحصول على تأكيد لتأثير هذه المياه الملوثة على الصحة العامة والبيئة وبصعوبة شديدة وبعد أسابيع من البحث تمكنا من الحصول على تقارير طبية وبيئية تؤكد أن معظم الأمراض السابقة السبب الأكبر فيها هو استخدام مياه الصرف فى الزراعة أو فى المزارع السمكية التى تقام على النيل أو البحيرات المتصلة بالمصارف فى شمال الدلتا «الحصول على مثل هذه التقارير فى مصر صعب جدا، نظرا لخوف المسؤولين من المساءلة القانونية بعد نشره».
ومن يشاهد الصور والفيديوهات التى قمنا بتصويرها أثناء الجولة الميدانية لسيارات الكسح، وهى تلقى بحمولتها فى مياه المصارف وسط الزراعات يشعر بحجم الكارثة التى يتعرض لها المصريون فى قرى مصر الفقيرة، وصور أخرى تظهر امتلاء الترع والمصارف بمياه الصرف والزبالة بدون رقيب ولا حسيب.
عشرات الشكاوى والاستغاثات من الأهالى.. ولا مجيب
وقال أحمد رمضان – مواطن- إنه تقدم بالنيابة عن سكان قرى «محلة أحمد – النجيلة – نتما – كفر غريب – الجزائر – بعض العزب التابعة» بعشرات الشكاوى للمسؤولين، سواء محافظ البحيرة أو رئيس شركة المياه أو رئيس الوحدة المحلية – كما تقدم ببلاغ للنائب العام وطلب مقابلة رئيس الوزراء إلا أنه لم يحدث شىء، حصلت «اليوم السابع» على صور من جميع الشكاوى والبلاغات المقدمة.
وأضاف رمضان أن النائب العام حقق فى البلاغ وتم استدعاؤه بالفعل لسماع أقواله فى هذه الشكاوى، إلا أنه مازالت التحقيقات جارية.
وأشار رمضان إلى أن أهالى القرى الفقيرة يحاولون توفير أراض لإقامة محطات صرف صحى على نفقتهم، إلا أن الوحدة المحلية دائما ترفض ذلك بحجج أن المساحة غير كافية أو أنها بعيدة عدة مترات عن الكتل السكنية، حتى إن أهالى قرية «محلة أحمد» مثلا تبرعوا بقطعة أرض، إلا أن الهيئة القومية لمياه الشرب والصرف رفضتها بحجة أنها غير مطابقة للمواصفة، وقالت: «الموقع غير مقبول فنيا، وذلك لبعده عن الحيز العمرانى حوالى 200 متر ويلزم موافاتنا بموقع آخر بديل داخل الحيز العمرانى».. فهل يعقل هذا؟
حصلت «اليوم السابع» على صور من الرسم البيانى لقطعة الأرض وعقد التنازل عنها من قبل الأهالى، وصورة أيضا من خطاب رفض الهيئة القومية لمياه الشرب والصرف لها، بحجة بعدها 200 متر عن الحيز العمرانى.
وأضاف رمضان أن أهل القرية تبرعوا بقطعة أرض أخرى وتم إبلاغ الهيئة فعلاً، إلا أنها مازالت تدرس الموقع الجديد قبل أن تعلن رأيها.
وقال إن المشكلة أن الأمراض تنتشر بشكل كبير فى المنطقة، مشيراً إلى أنه مصاب بفيروس الكبد سى الذى انتقل له من قريب كان مصابا بالفشل الكلوى، وأثناء إجرائه لعمليات الغسيل الكلوى أصيب بالفيروس سى، ثم انتقل بدوره إليه «أحمد رمضان» لمرافقته له فى رحلة العلاج، فهى أمراض تتسبب فى انتشار أمراض أخرى، ومع ذلك فإن المسؤولين يرفضون اعتبار التلوث هو سبب هذه الأمراض.. إذن من السبب؟
جهاز المياه والصرف الصحى رفض إعلان نتائج تحاليل المياه فى المنطقة وقال إنها «سرية جدا».
أخذنا كل الصور والمستندات التى حصلنا عليها، بالإضافة إلى شهادات ميدانية لعدد من الفلاحين فى المنطقة التى نتخذها نموذجا لواقع سيئ فى قرى مصر، وذهبنا بها إلى جهاز تنظيم مياه الشرب والصرف الصحى وحماية المستهلك، التابع لوزارة الإسكان والمرافق العامة لعرض المشكلة والمستندات التى حصلنا عليها وعرض معاناة الناس بسبب مشكلة الصرف الصحى ومياه الشرب الملوثة فى هذه القرى.
وتمكنا من مقابلة خالد ضياء رئيس الإدارة المركزية الفنية بجهاز تنظيم المياه والصرف الصحى، التابع لوزارة الإسكان، واستقبلنا الرجل وشرح لنا كيفية عمل الجهاز، وكيف أن الحمل ثقيل جدا، وحجم الجهود التى يبذلها الجهاز والعاملون عليه للوصول بالخدمة إلى درجة جيدة، إلا أنه عندما طلبنا منه آخر التقارير التى أعدها الجهاز عن جودة مياه الشرب وكيفية التعامل مع الصرف الصحى فى منطقة البحث «البحيرة وقراها» رفض بشدة، وقال إن هذه المعلومات «سرية جدا»، ولا يمكن إطلاعنا عليها، وأنها تعرض على وزارة الإسكان بصفتها الوزارة المعنية، ومنها إلى مجلس الوزراء، رغم أنها حق أصيل للمواطنين، والإعلام، وكل جهات مراقبة حقوق المستهلكين فى مصر.
وقال رئيس الإدارة المركزية الفنية بجهاز تنظيم المياه والصرف الصحى إن إتمام مشروعات الصرف الصحى الضرورية حاليا تتطلب 80 مليار جنيه، وإذا تم توفير هذا المبلغ فإن الوزارة تحتاج ما بين 10 إلى 15 عاما لإتمام هذه المشروعات، مشيرا إلى أن دولة الإمارات تقوم حاليا بتنفيذ عدة مشروعات صرف صحى فى الوجه البحرى «الدلتا»، خصوصا فى القرى المطلة على نهر النيل وتصرف فيه، وذلك ضمن منحة مقدمة من الإمارات العربية المتحدة.
وكان وزير الإسكان الدكتور مصطفى مدبولى قال لـ«اليوم السابع» قبل ذلك: إن أزمة الصرف الصحى فى مصر أصبحت كارثة، وأنها تحتاج 100 مليار جنيه و15 سنة لإتمامها.
ومع رفض رئيس الإدارة المركزية الفنية بجهاز تنظيم المياه والصرف الصحى وإصرارى على الحصول عليه قال لنا إنه سيعرض الموضوع على الوزارة للنظر فى إمكانية إطلاعنا على التقرير ويرد علينا، إلا أننا لم نتلق أى رد، ولذلك حاولت الحديث مع مصدر آخر بالجهاز – رفض ذكر اسمه – لمعرفة سبب هذا التعتيم الكبير على نتائج التحاليل، وهو ما أكد لى أن السبب هو أن الجهاز يقوم بعمل تحاليل لجودة المياه فى أوقات مختلفة من العام، وفى بعض الأحيان تكون نتيجة التحاليل سيئة لعدة أسباب، منها مثلا موعد ما يطلق عليه فى الريف «السدة الشتوية» ، وتعنى «تكون تركيزات المواد الضارة عالية فى مياه النيل والمصارف فى هذا الوقت بسبب قلة المياه»، وهو ما يجعل المسؤولين يتخوفون من إعلان نتيجتها، كما أن التقارير الرئيسية لجودة المياه يتم إرسالها مكتوبا عليها «سرى جدا» للجهات المسؤولة فى الصحة والبيئة ومجلس الوزراء ثم يتم عمل تقارير أخرى يتم نشرها للإعلام حتى لا تحدث بلبلة وغضب فى الرأى العام.
رَفْضْ الجهاز الإعلان عن نتائج التحاليل التى قام بها دفعنا إلى اللجوء إلى مصدر آخر لمحاولة معرفة خطر الصرف الصحى ومدى جودة المياه فى هذه المنطقة.
تقرير وزارة الصحة: تلوث الأسماك بمياه الصرف يحولها إلى سموم تسبب السرطان والفشل الكلوى والإجهاض والشلل والإعاقة الذهنية.
ومن وزارة الصحة حصلنا على تقارير عن تأثير اختلاط مياه الصرف بمياه النيل والمصارف على الأسماك التى تعيش بها والمزروعات التى تنتج عنها، وهو ما أظهر حجم الكارثة التى يتعرض لها الناس.
ومن مركز الرصد البيئى ودراسات بيئة العمل – إمبابة إدارة السموم حصلنا على تقرير رصد مستوى تلوث الأسماك بالمعادن الثقيلة الضارة فى بعض بحيرات مصر ونهر النيل بفرعيه رشيد ودمياط، والترع والمصارف المتصلة بهما، وقسم التقرير السموم التى تتعرض لها إلى عدة أقسام جاء على رأسها النفايات التى تحتوى على المعادن الثقيلة الضارة مثل: الزئبق والكادميوم والرصاص، وهى سموم قال التقرير إنها تفتك بالأحياء الراقية والدقيقة على حد سواء.
وقال التقرير صراحة إن التلوث فى البحيرات المصرية يعكر الماء ويقتل الأسماك، وأسباب التلوث هى أن مياه الصرف الزراعى والصناعى والصحى التى تلقى فى المجارى المائية هى أساس التلوث، حيث تحتوى مياه الصرف الزراعى على مخصبات زراعية تحتوى على أملاح النيتروجين والفوسفور ومواد عضوية، وعدد كبير من هذه المصارف ينقل مخلفات صرف صناعى وصحى.
كما توجد عدة نقاط للصرف الصناعى على طول المجرى تحتوى على معادن ثقيلة، ومواد عضوية، ومواد سامة وضارة بالصحة، أما مياه الصرف الصحى فتأتى من المصارف الزراعية التى يتم الصرف عليها بدون تنقية، والتى تصب فى النهاية فى نهر النيل.
واختار فريق البحث المعد للتقرير المعادن الثقيلة الضارة مثل «الرصاص – الزئبق – الكادميوم» للتركيز على نسب وجودها وأضرارها، وذلك لعدة أسباب قال إن أولها أن هذه المعادن هى الأشد خطرا فى كل المعادن الثقيلة، حيث إن لها أثرا حادا وتأثيرا آخر تراكميا، حيث تتراكم فى الأنسجة والعظام، مسببة تسمما مزمنا يصل لدرجة السرطان فى عنصر الكادميوم.
كما أنها من الملوثات الموجودة فى البيئة المصرية بصورة أكبر من غيرها نتيجة الأنشطة الصناعية والزراعية المختلفة مثل صناعة البطاريات والأسمدة الفوسفاتية الملوثة بالكادميوم وهياكل السيارات كمصدر للرصاص، أما الزئبق فإن صناعة الترمومترات وأجهزة الضغط وصناعة غاز الكلور والبطاريات إلا أن الخطورة الأساسية تأتى من الزئبق العضوى حيث إنه يمتص حتى عن طريق الجلد.
وقال التقرير إنه من المتوقع زيادة تركيز هذه الملوثات نتيجة زيادة النشاط الزراعى والصناعى وزيادة السكان، واستمرار الصرف الصحى والصناعى والزراعى على الموارد المائية بصورة أو بأخرى، مما يستوجب ضرورة الرصد المستمر واتخاذ الخطوات الإيجابية للحد من التلوث والتحكم فيه، ويتم رصد هذه العناصر طبقا للمواصفة القياسية المصرية 236 لسنة 1993، وتهدف هذه المواصفة لوضع الحدود القصوى للمعادن الثقيلة فى الأغذية والمواد المضافة «العصائر – المعلبات – الخضراوات – البقوليات – اللحوم – الفاكهة – الأسماك».
وكشف التقرير أن الحدود القصوى المسموح بها للمعادن الثقيلة السابقة فى الأسماك ومنتجاتها هى يجب ألا تتعدى 0.1 مجم / كجم بالنسبة لعنصر الرصاص، و0.1 مجم / كجم لعنصر الكادميوم، و0.5 مجم / كجم لعنصر ميثل الزئبق.
وقال التقرير إن وجود عنصر الرصاص مثلا فى الأسماك فى مصادر الطعام والشراب الأخرى بنسب أعلى من المسموح به يسبب تكسر كرات الدم الحمراء، حيث يترسب على جدارها، ويسبب سرعة تحلله «يقلل عمرها»، كما يترسب فى النهايات الطرفية للأعصاب، ويؤثر على الاستجابة والتوافق العصبى والعضلى، ويسبب قصورا فى عمل الكلى قد يصل للفشل الكلوى، ويؤثر على الجهاز التناسلى للإناث خصوصا، ويسبب الولادة المبكرة والإجهاض أو تشوه الأجنة، والرصاص العضوى يستطيع أن يعبر حاجز المخ «Blood Brain barrier»، وخاصة فى الأطفال، مسببا الإعاقة الذهنية، وقلة النمو، وقلة الاستيعاب.
أما الزئبق فقال التقرير إن الزئبق غير العضوى قليل الخطورة على الصحة، حيث لا يمتص عن طريق الجلد أو الجهاز الهضمى والتنفس، إلا أن الزئبق العضوى يمتص حتى عن طريق الجلد والمصدر الرئيسى للتسمم المزمن بالزئبق هو الطعام، وبالذات الطعام البحرى، حيث تقوم الكائنات الحية الدقيقة والعوالق البحرية بتحويل الزئبق غير العضوى إلى زئبق عضوى يمتص بواسطة الأسماك، ويترسب فى أنسجتها وتصل للإنسان بهذه الصورة، ويسبب أعراضا تشبه الشلل الرعاش عند التسمم المزمن.
أما بالنسبة للكادميوم فقال التقرير إنه أخطر الآثار الصحية منه تكون عندما يتم استنشاق أبخرته، حيث إنه شديد الخطورة على الجهاز التنفسى، حيث يقلل السعة الرئوية والكفاءة الرئوية، كما أن الجهاز البولى أيضا يتأثر بشدة وهناك دراسات غير مؤكدة أنه يؤدى إلى السرطان «سرطان المثانة».
وأظهرت نتائج التحاليل على أن المشكلة الأساسية فى المياه المصرية وبالتالى الأسماك تأتى من عنصر الرصاص السام، حيث إنه بمقارنة عدد عينات الأسماك الملوثة بتركيزات أعلى من الحد المسموح به فى المواصفة المصرية بالنسبة لأشهر أنواع الأسماك وأكثرها استهلاكا وهى «البلطى – البورى – القراميط – موسى»، وبرغم أنها واردة من عدة بحيرات مختلفة إلا أنها متفقة جميعها فى أن عددها أكبر من الملوثة بباقى العناصر.
وقال التقرير إنه بمقارنة النتائج تلاحظ زيادة التلوث فى جميع أنواع الأسماك تقريبا، وفى أغلب البحيرات، وأثبت تحليل عينات الرأس منفصلة عن باقى الأنسجة زيادة التلوث بها «بما يقرب من الضعف» عن الأنسجة، كما أن عينات عُلِيقة الأسماك الواردة من المزارع السمكية ثبت إرتفاع نسبة التلوث بها خاصة بعنصر الرصاص.
وأوصى التقرير فى نهايته بضرورة اتخاذ التدابير اللازمة للحد من التلوث بالرصاص بالذات، حيث إنه يمثل المشكلة الأساسية فى كل البحيرات تقريبا ونهر النيل، وذلك بالتوسع فى إنشاء محطات معالجة الصرف الصحى ووحدات المعالجة للصرف الصناعى فى المصانع، كما أوصى بتوعية المستهلك بعدم أكل رأس السمك أو طهيها مع الأسماك، وذلك لارتفاع نسبة التلوث بها «بما يقترب من الضعف» بالنسبة لباقى أنسجة الأسماك.
ورغم أن التقرير السابق كان جامعا لكل السموم المنتشرة فى مياه النيل والترع المستخدمة فى الزراعة بسبب الصرف الصحى، وأيضا البحيرات الشمالية التى يتم الصرف فيها أيضاً، إلا أننا حولنا تأكيد ذلك من جهة ثالثة وهى وزارة البيئة، وبالفعل حصلنا على آخر تقرير لمستوى جودة المياه فى نهر النيل والبحيرات الشمالية أيضا، وهو ما أكد كل ما جاء به التقرير السابق الخاص بوزارة الصحة، وتقريبا خلص إلى نفس النتائج، وأكد ارتفاعاً كبيراً فى العناصر الصلبة السامة، خصوصاً الحديد والرصاص والزئبق فى هذه البحيرات ومياه النيل، بسبب الصرف الصحى والصرف الصناعى، «مرفق التقرير بالكامل وخصص به الفصل الخامس لجودة المياه والصرف الصحى»، ولذلك لا حاجة لاستعراضه بالتفصيل.
dina.habeb dina.habeb 1031829_11.gif فتكات ست الكل Fatakat 1031829 القاهرة – مصر