لغة الصمت ..
للكاتبة: فوزية محمد
*قال صلى الله عليه وسلم :"من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت".
هذا الحديث المجمل الذي رواه أبو هريرة أنصف الصمت أيما إنصاف وأعطاه مكانته اللائقة دونما شطط ولا غلو ، وبحديث سيد الخلق هذا يوضع الصمت في مرتبة راقية وليس أرقى منه إلى الكلام الحسن وقول الخير، بناء عليه فإن المواضع التي تخلو من الكلام البناء الصادق النافع ليس لها من بديل سوى الصمت فهو في هذا المقام مغلاق للشر وحصن من البلاء ولغة السلامة ووجاء من الفتن.
*لابد للصامت المهيب من لحظات نطق تصدق هيبته، فهل للصمت حدود؟
رغم هالة الصمت الضخمة والثقيلة لغة ومعنى، كثير ما تفصل شعرة بين نفعه وضره، فالواحد وهو ينصت لشروحات وتوجيهات الآخرين يكون في حالة صمت إيجابي ،وإذا ما انقطع كلامهم وطُلب منه التفاعل ولم يفعل ينقلب الصمت في ثوان ليصبح ترديا يذهب المصلحة ويشوش على لحظات الإصغاء فيحولها إلى دلالات سلبية.
*الصمت : هي الكلمة الوحيدة التي يخرجك نطقها من معناها
حين تشرع في لفظ الحروف وتجميعها تكون قد خرجت من مرحلة الصمت وباشرت الكلام، ووفق نتائج خطابك يعرف ما إذا كان كلامك قد تقدم بك في الإتجاه السليم، أما انك قد قطعت مع صمت إيجابي كان يحول بينك وبين التردي. وتجارة الصمت يعرف كسادها من ربحها بوضعها مع تجارة الكلام كل في كفة ، فبالاضداد تتضح المعاني.
*الصمت طبع محمود إذا تمكن صاحبه من فن الكلام
الوفاء ، الامل ، الحسد ، الكذب ، مثل هذه المعاني وحال النطق بها يمكنها إحالتك على كنهها ومن هناك يمكنك تبويبها سلبا او إيجابا، وقد عدّد الحكماء فوائد الصمت في سبعة كلمات: وهي أن الصمت عبادة من غير عناء وهو زينة للمرء ويزيده هيبة واحتراما ووهو له حصن والصمت يُغنيك عن الاعتذار لأحد وهو راحة للملَكين الكاتبين وستر للعيوب.
لكن كلمة الصمت إذا أطلِقت منفردة يصعب التفاعل معها بدون مهيَّتها و ملحقاتها المكانية والزمنية، لأن:
الصمت للإصغاء فضيلة
والصمت على الظلم مذلة
والصمت في اللغط حكمة
والصمت عند الخطابة عياء
والصمت عند الجنائز خشوع
والصمت مع الابتلاء صبر..
*الصمت نهر هادئ يمكن أن يهيج في أي وقت
الصمت كلمة لا تضاهيها قوة إن أتت في موضعها ، لكن الصمت يبقى الإستثناء وليس الأصل ، فالصمت بديل الإسفاف بديل اللمم بديل الإبتذال بديل الفحش ، الصمت بضاعة صالحة في سوق الكلام البائر ، لكنه بضاعة كاسدة في سوق الكلمات الطيبة النيّرة المجدية البناءة …
*الكلام ملك والصمت وزيره… الكلمة ملكة والصمت وصيفتها
للصمت فضائل كثيرة لكن لنحذر من الإفراط في تمجيده حتى لا نجعل منه رأس الأمر كله وحتى لا نجعله بديلا للكلام النافع وبذلك نسقط في الدعوة للسلبية والخمول. فالكلمة هي الأقوى مادامت سليمة ولا سبيل للمقارنة لأن القرآن كلام الله المتعبد به، والحديث الشريف كلام خير المرسلين والرسالة افتتحت بكلمة "إقرأ" والإنجيل والزبور والتوراة كلمة ..السيد المسيح عليه السلام كلمة الله التي ألقاها إلى مريم.
من هذه المعاني السابقة يتوجب على المرء أن يتقن فن الصمت وأن يدرك أين ومتى يجب استخدامه من عدمه….
*وليسأل كل منا نفسه:!!
ما بالنا نُكثِر من الصمت في غير محله؟
وما بالنا ألجمت ألسنتنا عن قول الحق ونصرته؟
وما بالنا نُقمع ونُجبر على الصمت ليتوسع غيرنا في الكلام !!!
بطوط 2024 بطوط 2024 136330_2.gif فتكات متميزة Fatakat 136330 البدرشين – مصر